بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 يناير 2018

نصيحة بجمل


يحكى أن رجلا ضاقت به سبل العيش، فقرر أن يسافر بحثا عن الرزق، فترك بيته وأهله وسار بعيدا، وقادته الخطى إلى بيت أحد التجار الذي رحب به وأكرم وفادته، ولما عرف حاجته عرض عليه أن يعمل عنده، فوافق الرجل على الفور، وعمل عند التاجر يرعى اﻹبل. وبعد عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته ورؤية أهله وأبنائه، فأخبر التاجر عن رغبته في العودة إلى بلده، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته، فكافأه وأعطاه بعضا من اﻹبل والماشية. سار الرجل عائدا إلى أهله، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة، رأي شيخا جالسا على قارعة الطريق، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حر الشمس، فقال له: أنا أعمل في التجارة. فعجب الرجل وقال له: وما هي تجارتك؟ فقال له الشيخ: أنا أبيع نصائح، فقال الرجل: وبكم النصيحة؟! فقال الشيخ: كل نصيحة بجمل. فاطرق الرجل مفكرا في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلا من أجل الحصول عليه، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة، فقال له: هات لي نصيحة. فقال الشيخ: «إذا طلع سهيل لا تأمن للسيل». قال في نفسه: ما لي ولسهيل في هذه الصحراء اواكبة، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الحر، وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ: هات لي نصيحة اخرى وسأعطيك جملا آخر. فقال له الشيخ: «لا تأمن لأبو عيون زرق وأسنان فُرْق». تأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضا وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة، فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك جملا اخر. فقال له: «نم على النَّدَم ولا تنم على الدم». لم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها، فترك الرجل ذلك الشيخ واعطاه الجمال الثلاثة، وساق ما بقي معه من ابل وماشية وسار في طريقه عائدا الى اهله عدة ايام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدة الحر. وفي احد الايام ادركه المساء فوصل الى قوم نصبوا خيامهم في قاع واد كبير، فتعشى عند احدهم وبات عنده، وبينما كان يتأمل النجوم شاهد نجم سهيل، فتذكر النصيحة التي قالها له الشيخ فقام سريعا وايقظ صاحب البيت واخبره بقصة النصيحة، وطلب منه ان يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي، ولكن المضيف لم يكترث له، فقال الرجل: والله لقد اشتريت النصيحة بجمل ولن أنام في قاع هذا الوادي، فقرر ان يبيت على مكان مرتفع، فاخذ ابله وماشيته وصعد الى مكان مرتفع بجانب الوادي، وفي آخر الليل هطل المطر بشدة وجاء السيل يهدر كالرعد، فهدم البيوت وشرد القوم. وفي الصباح سار عائدا نحو اهله، وبعد يومين وصل الى بيت في الصحراء، فرحب به صاحب البيت وكان رجلا نحيفا خفيف الحركة، واخذ يزيد في الترحيب به والتودد اليه حتى اوجس منه خيفة، فنظر اليه واذا به «ذو عيون زرْق وأسنان فُرْق» فقال: آه هذا الذي اوصاني عنه الشيخ، ان به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء. وفي الليل تظاهر الرجل بانه يريد ان يبيت خارج البيت قريبا من ابله واغنامه واخذ فراشه وجره في ناحية، ووضع حجارة تحت اللحاف، وانتحى مكانا غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه، وبعد ان ايقن المضيف ان ضيفه قد نام، اخذ يقترب منه على رؤوس اصابعه حتى وصله ثم هوى عليه بسيفه بضربة شديدة، ولكن الضيف كان يقف وراءه، فقال له: لقد اشتريت النصيحة بجمل ، ثم ضربه بسيفه فقتله، وساق ابله وماشيته وقفل عائدا نحو اهله. وبعد مسيرة عدة ايام وصل ليلا الى منطقة اهله، وسار ناحية بيته ودخله فوجد زوجته نائمة وبجانبها رجل، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه واراد ان يهوي به على رأسي الاثنين، وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول «نم على الندم ولا تنم على الدم»، فهدأ وتركهما على حالهما، وخرج من البيت وعاد الى اغنامه ونام عندها حتى الصباح. وبعد شروق الشمس ساق ابله واغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به، واستقبله اقاربه وقالوا له: لقد تركتنا فترة طويلة، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى اصبح رجلا. ونظر الرجل الى ابنه واذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالامس بجانب زوجته، فحمد الله على ان هداه الى عدم قتلهم، وقال في نفسه: حقا.. كل نصيحة احسن من جمل . هذه من قصص التراث التي تحث لتقبل النصيحة وفهمها بأبعادها.وهي قصة المثل القائل(النصيحة بجمل)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق